مقالات

صبي .. مذيعة .. محافظ .. فساد مستشر .. وشارع استعرت به نيران الغضب .

Advertisements

كتب-محمد خلف

استحال النباح عواء ولم يأت بجديد .. لا تزال منافذ بورسعيد تنزف البضائع ولا يزال الكر والفر بين شرطتها ومهربيها مستمرا .. وسيظل طالما صنبور الأموال الناتجة عن العملية الاكثر شهرة في المدينة يقطر ليروي أجوافا جفت جراء الغلاء وظروف المعيشة التي طالت الجميع .. ولطالما ظلت نبعا يصب في أرصدة “حُجاج” الساحلية المسكينة التي ظلمت بقرار ساداتي غير مدروس أمل أن يجعلها قبلة للتجارة والصناعة تغير وجه الإقليم الكائن على ناصية العالم بالكامل ليسبب انتعاشة للقطر المصري بأكمله .. فاتخذه الكسالى من مدمني الكسب السريع طريقا للثراء بلا عناء ..

ليست مشاهد الأكياس الملقاة في الشوارع ولا اللفائف المضغوطة أو الملفوفة على السيقان والجذوع بغريبة على أعين من نشأ في بورسعيد .. وليست “محلات التسليم” بوصمة عار على ملاكها في عرف المدينة .. بل إن معظم أبناءها قد جرب مرة أو اثنتين .. إما للمغامرة أو طمعا في بعض المال أو حتى لكسر حصار ضائقة ألمت به .. ولكن لمَ الحديث عن الصغائر والجسام مطلات بوجهها القبيح لا تحاول أن تتوارى ؟

أثار المقطع الذي نشرته الصفحة الرسمية للمحافظة ل(مذيعة) تستجوب بعض المقبوض عليهم ناعتة إياهم بالوافدين – كبديل للفظ دارج أكثر وطأة هو (الفلاحين) – أثناء محاولتهم تهريب بعض الملابس – وهو ما لا يحدث في المعتاد حيث يكتفي رجال الأمن بمطاردتهم لإبعادهم ملوحين بعصيهم الطويلة خلفهم أو ضاربين بها على اللفائف التي تكسو أجسادهم – لتواجه ردا أشعل الحمية في النفوس من كلمات لم يجرؤ من سوى حدث على التلفظ بها :
” انتي محساش بالناس ” ..
لم يعترض الفتى على اقتراحها بالعمل في وظيفة دنيا كعامل نظافة فلا يجوز أن نتهمه بالتعالي والسعي للحرام استسهالا .. لكنه اعترض على الأجر :
” خمسين جنيه هتأكل ٣ بنات؟ هتأكل ام؟ هتكسيهم؟ ”
تساؤلات بسيطة نسفت منطقها الضعيف الذي حاولت التمسك به بعناد :
” بس حلال ”
ليرد بإباء :
” والي بنعمله مش حرام .. احنا بنتعب وبنشقى . ”

مناقشة شغلت الشارع المصري على مدى يومين .. فرضت على الوجدان نموذجين لمواطني مصر .. فنرى في النموذج الأول سيدة تحاول أداء ما وكل اليها على قدر إمكاناتها المحدودة وقدراتها الأقل من المتوسطة .. فتعتمد أسلوبا هجوميا تقلد به مشاهير سبقوها لقضايا الفرقعات دون مراعات أو فهم لطبيعة الحدث أو الطرف الآخر للحوار .. سيدة أعلنت عن ضعف حيلتها وانعدام ذكائها وقدرتها على التكيف والارتجال وقلة بديهتها حين لم تصمد أمام فتى لم يبلغ السن القانوني .. بعد فتمسكت بكلمات تحفظها من دون فهم مثل : “اشتغل في شركة نظافه” التي رد عليها مستنكرا الاجر الهزيل .. لتتبع اقتراحها الأول بآخر صيغ بحماقة جعلتها نجمة الكوميكس الأولى على السوشيال ميديا : ” اشتغل في الاستثمار ” التي فهمها من لا يعرف كمطالبة للصبي بالعمل كمستثمر صاحب أعمال .. بينما الاستثمار الذي تعنيه هو المنطقة الصناعية ببورسعيد التي تضم عدد من المصانع التي يعمل بها آلاف العمال الذين يستنزفون يوميا لقاء أجور لا تكفي حتى لتوفير الأساسيات في ظل حكم رئيس يقهقه “غلي البنزين يا مصطفى” .. ذلك النموذج الذي انفجر بالضحك لمزحة الرئيس التي سوف تتحقق في إطار تنفيذ شروط البنك الدولي لاستكمال القرض التي تقضي برفع الدعم تماما .. ذلك النموذج الغافل عن معاناة يعيشها ويكتوي بنارها يوميا ولا يكف عن الشكوى لكنه فقط أكثر جبنا من أن يجهر .. ذلك النموذج الذي بدلا من أن ينصح صبيا في مقتبل العمر بالالتفات لتعليمه عله يصبح ذا شأن يمكنه من تغيير واقع وطنه المرير تنصحه بتقييد نفسه الى ساقية تدور به وتدور فلا يحل قيده منها إلا الموت .. نصيحة لا تقبل بتوجيهها لطفلها بأي حال .. ذلك النموذج القاصر التفكير ذو الافق الضيق الذي تمتلئ به الأرائك في المنازل والمقاعد في المقاهي والاختناقات المرورية في الشوارع .. ذلك القطيع الذي يتحرك كيف يساق .. ويتحدث بما يؤمر .. الذي لا يحاول اتخاذ قرار أو التمرد على وضع قائم ..

ونموذج مناقض تماما لفتى لم يتم من سنوات عمره ما يجعله بالغ الاهلية .. صبي لا يزال خاضع لقانون الطفل في وطن بلا قانون الا اهواء اصحاب كراسيه الذين يحاولون بشتى الطرق اكتساب نقاط تحفظ لهم مقاعدهم .. صبي كبل بأصفاد حديدية .. اقتيد لمبنى المحافظة .. بات ليلته في قسم الشرطة .. عومل كمجرم عتيد .. لكنه لم ينكسر .. فواجه المجتمع بأكمله بأسباب فعلته التي أقر بخطأها .. لكنه أعلن أنه لم يجد لرزقه سبيلا آخر ..

لم يأت رد السيد الغضبان بما هو مستبعد عنه .. حيث تنصل من أوامره بعد أن استحال فضيحة مدوية معلنا أن المحافظة لا تمتلك من الكوادر الإعلامية من هم أهل لمثل هذه الأعمال ..

حسنا يمكنني الرد ببعض أسماء كفيل ذكرها بضحد مقولته ونسفها نسفا لكني لن أفعل .. فمن أحاط نفسه بالمنتفعين عليه بإبعادهم إن استطاع .. ومن شجع الجهلاء لرفع القلم عليه بتحمل الصفعات ..

سيادة المحافظ “دولا” كما يناديك الرئيس .. موظفتك ارتكبت مجموعة من المخالفات القانونية بتقريرها المشين كل منها يمكن إخضاعها عنه للمساءلة القانونية .. وهي مخالفات ضجت صفحات الفضاء الأزرق بها فلا داع لترديدها .. لكنك لست بحل من جريمة أمرت بها من لم يمتلك من المهنية أو المعرفة أو حتى المنطق السليم من يستطيع تنفيذها بشكل يحفظ له ولك ماء الوجه ..

سيادة المحافظ .. أتفق معك تماما أن “المحافظة” لا تمتلك من الكوادر الإعلامية من هو قادر .. فأمثالنا لا يُمتلكون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى