مقالات

أزمة الهوية تضرب سائلة: من أنتم!؟

Advertisements

كتب- محمد خلف

أزمة الهوية التي تضرب الوطن العربي من المحيط إلى الخليج تتجلى -كالعادة- في الكنانة التي تكسّرت أسهمها فأصبحت بلا رؤوس ولم يعد يُخشى لها بأس.

دعوت دوما لنبذ الخطاب الديني، فيم يخص القضايا الإنسانية أو الاجتماعية لأسباب عدة، منها حصر الخطاب لفئة خاصة تدين بعقيدة محددة، مع تنحية باقي المجتمع الذي يتأثر أيضا بالقضية أو الأزمة، الفصل والتأكيد على تقسيم المجتمع على أساس ديني، مما يعزز التفرقة وتفسيخ أربطة المجتمع، الذي يجب عليه التوحد تحت راية الوطن، أيا كانت انتماءاته السياسية أو الدينية أو الفكرية مثل العنف، الجريمة، التحرش، الحروب، وغيرها..

وكذلك لأحادية النظرة التي تعانيها الخطابات الدينية دوما فتجعلها بالغة الفصاحة لمن يؤمنون بها لاصطباغها بقدسية الدين، وتهافتها وضعف حجتها لمن لا يدينون بذاك الدين أو لا يؤمنون به صحيح الإيكان مم يؤدي لاستنكاره وتناوله بالغضب والشجب..

ويمكننا في هذا الشأن تنحية الخطاب الإسلامي الذي ألفناه لسنوات وعقود جانبا، والنظر للخطاب اليهودي لساسة وقادة الكيان المحتل مثلا وكيف يتفاعل معه المسلمون والكثير من المسيحيين بالغضب، كذلك الخطاب القائم على المسيحية، الذي ينتهجه الساسة والقادة الغربيون في الآونة الأخيرة، في عودة لجذور تلك الأمم المظلمة، حين حكمها من يحتكرون كلمة الإله، فأذاقوا أوروبا من الدماء ما أثملها، فظلت القارة تترنح حتى سقطت في بئر الحربين العالميتين، لتنطلق فلسفة الحداثة ثائرة على الثقافة الإنسانية المستندة إلى العقائد الغيبية، محطمة سلطة الدين، تسلك نهجا علميا منطقيا قائما على التفكير والتفسير، لتتشعب اتجاهاته وطرائقه، لتدور حول نفسها حتى تصل إلى نقطة الصفر في العصر الحالي.

أما بالنسبة لأزمة الهوية التي تضرب الوطن العربي من المحيط إلى الخليجا والتي يثار بسببها المعارك في كل بقاع الشرق الأوسط الذي يعاني الضعف والتمزق والاحتلال سواء الصريح او المقنع وسلب الموارد والحريات والحقوق فما هي إلا صرخة غاضبة ضد لغة جمعت الألسنة ولكنها لم تجمع القلوب..

لذا تتصاعد اللهجات القومية منادية برفع حدود مستقلة موجودة بالفعل، لكنها لا تنهي الانتماء للغة يعدونها دخيلة على أوطانهم، أزمة تضرب شمال إفريقيا من البحر الأحمر للخليج، حيث يرفع الجزائريون والمغاربة وأبناء الخضراء تونس رؤوسهم بإباء يعلنونها بفخر “نحن أمازيغ ولسنا بعرب” كذلك تعلوا الأصوات في مصر “نحن مصريون ولسنا بعرب” وكأن العروبة مسبة يجب علينا التبرؤ منها.

أفخر كذلك بقوميتي المصرية المرتكزة على قراءات وبحث تاريخي مكثف، ولكن ما هي الهوية؟ أليست الهوية هي مجموعة المعارف والقيم المبنية على احتكاك مباشر مع البيئة المحيطة والجذور التاريخية لتكوين شخصية مستقلة سواء للأفراد أو المجتمعات؟ ألا يمتلك كل منا هوية مستقلة بالفعل؟

ألا يمكن بسهولة تمييز المصري عن الليبي، عن الجزائري او العراقي والسوري والكويتي وغيرها من القوميات التي تتعالى أصواتها بحضارات باد بعضها ولم يعد له أثر يذكر، أو تعالت أثارها شاهدة على عظمة خالدة للسلف الذي ذهب وذهبت عظمته معه..

أو حتى حضارات مدعاة ليس لها صحة أو أصل ترتكن على محاولة نسب حضارات أمم أخرى لأراض لم تعرفها إلا تابعة مهزومة في حقب غابرة، الحق أن منطقتنا زاخرة بالتاريخ والحضارات المختلفة، بابلية وأشورية وسومرية وعقادية ومصرية وقرطاجية وغيرها، تستقر تلك الحضارات في الوجدان الجمعي لشعوبها وتشكل هوياتهم المستقلة والمميزة وألسنتهم المحلية برغم اللسان العربي الجامع الذي يعده البعض دخيلا اقتحم عوالمهم بحد السيف، ولكن بعد ما يزيد عن الألف عام أصبح هو اللسان الأول والأصيل لشعوبنا شئنا أم أبينا، وبه نتحدث ونتناقش، وبهذا اللسان تعلو الدعوات بنبذه والعودة للغات ماتت ولم تعد تجد من يحفظها الا بين جدران الأديرة وبعض الباحثين كالقبطية المصرية مثلا.

الواقع الذي لا جدال فيه، والذي يتعامى الكثيرون عن رؤيته، أن العربية لغة نتحدث بها تجمعنا ونحاول أن نجمعها، لكن هويات شعوبنا تظل حية بداخلنا تدفعنا للتصرف بما يناسب بناءنا الثقافي والقيمي، ولكن العربية أصبحت جزء لا يتجزأ من تلك الهوية، نحن مستعربة، ننتمي لأوطاننا، نتحدث بلسان وارد علينا لكنه فرض نفسه ليوحدنا، فلم نصر على الفرقة؟

الا يمكن أن نتفق على الوحدة من دون الذوبان والتخلي عن هوياتنا؟ فلا يمكنني مهما حدث التخلي عن مصريتي، ولكني لا أستطيع أيضا التنكر للساني العربي، ولا إخوة هذا اللسان، ربما استطاع البعض هنا او هناك، لكن كل أسرة تحوي بعض الشياة السوداء.

لا ألوم البعض ممن يهتفون بأن لا شأن لهم بما يدور خارج أوطانهم، فالوطن اولوية يجب على كل إنسان أن يضعها في قلبه وتعتنقها روحه، ولكن الوطن المنفرد المستوحد تسهل السيطرة عليه وقياده، اما الجماعة فلا.

جيلنا المعذب يحيا حقة فاصلة في تاريخ الكوكب، ربما نواجه حربا عالمية ثالثة قد تتسبب في تغيير الخارطة السياسية للعالم، او تحرق الحرب الخارطة تماما، لذا يجب على الجميع الخطو للخلف خطوة واحدة والتوقف قليلا للتفكير بجدية، هل نرغب بخوض حرب تفرض علينا فرضا كأفراد؟ أم كعصبة متحدة متماسكة؟

Advertisements

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى