العَلَم.. العمل.. وحروب لا بديل فيها للنصر!

كتب- محمد خلف
أجدني -رغم عدم الاقتناع او التصديق- تخطيت الثلاثين من عمري، لا أعرف كيف ولا أين ذهبت السنوات الماضية، ربما لإيقاع الحياة السريع دورا في دوران الأرض حول الشمس بتلك السرعة الجنونية.
لم تمض أيام حين رسمت تلك اللوحة احتفالا باليوبيل الفضي لحرب أكتوبر المجيدة.
آنذاك لم تكن تراود الشكوك عقولنا الحابية على طريق المعرفة، الرضيعة بما يلقموننا من علم بين صفحات كتب درس كل حرف فيها كيف كتب ولم كتب وما المرجو من أثره علينا، كانت لوحة بألوان الشمع تمثل جبلا من التراب يتسلقه جنود يرتدون البني -لعدم توفر إصبع كاكي بالعلبة- يتصدرها جندي يهتف بحماس وهو يمسك بالعلم مرفرفا في السماء بيد وسلاحا رشاشا أسود باليد الأخرى، تلك الصورة الأيقونية التي أظنها حفرت في الوعي الجمعي لجيلي، كتبت أيضا موضوعا لحصة التعبير عن يوم العبور وكيف أشعر بالفخر لعودة أرضنا المحتلة وطرد الأعداء منها، كانت تلك الطقوس الثابتة المتكررة سنويا طوال فترة دراستي، فقط اختلفت رؤيتي للأمر تيجة اتساع مداركي وقراءاتي الخارجية، لكن ثقتي بالنصر وعظمته لم تهتز يوما.
عدت الأرض تلاحق ذيلها لتمر السنوات، اعرف ما لم أكن أعرف وأقرأ ما لم يكن متاحا واتحدث لمشاركين في الحدث لم اكن اعلم بوجودهم في محيطي، لكن القناعة تظل راسخة، اعرف بالثغرة وما تسببت به، وما سببها أيضا، لكني لم أتقبل يوما اتخاذ بعضهم لها ذريعة للتشكيك في النصر.
لم أكن يوما من المهللين او السائرين في الركب، لم أنطق يوما الا بما استقرت عليه قناعتي التامة، لذا انتابتني الدهشة منذ سنوات حين ظهرت أصوات تهمس بأن النصر ما هو إلا خدعة كبيرة، كيف يمكن ذلك؟ هل ظلت سيناء محتلة بعد انتهاء الحرب؟ هل ظل العدو رافعا علمه على رمالها الطاهرة التي ثملت بدماء أبناءها؟ أعلم أن الوجود الصهيوني لم يختف عنها فورا، وأعلم أن التسعينات أتت بقطعة منها لم تزل تحت سيطرة العدو حتى رفع العلم ثلاثي اللون ليضع نقطة تاريخية تنهي الوجود الإسرائيلي على الأرض المصرية، نقطة تعرف (بطابا).
ارى المنادون بتلك الأفكار يتزايدون وتتعالى أصواتهم في ظل ما تعانيه بلدي من تحديات تدفع في قلوب أبناءها بالغضب لحالهم، أراهم يستغلون ما وصل إليه الحال في الوقيعة بين الشعب وتاريخه، أراهم يسعون لدفع من يعرفون تاريخهم للتبرؤ منه كما نجحوا في تجهيل من تلانا من أجيال به.
يخوض المصري العادي حربا يومية لتوفير أدنى متطلبات حياته، ويخوض المصري الأكثر ثقافة حربا يومية أكثر وجودية وأهمية يحاول خلالها تحديد هويته، يقاتل كيانات مدفوعة بأجندات تعمل لتفتيت الكتلة وتقسيمها، لفصل الإنسان عن الأرض، ولفصل التاريخ أقساما وفترات، لكني ضمن هذه الحرب أيضا أخرج منتصرا بعقيدتي الراسخة بأني مصري كمتي أتحدر من مصر القديمة، لكني كذلك عربي مسلم أحيا وأتحدث العربية وأكتبها لأحدث العالم أجمع بما أحمل من قناعات وقضايا، لا فصل لهويتي ولا اجتزاء منها، فلا أنا كمتي لا انتمي للعربية، ولا انا عربي لا انتمي لتلك الأرض السمراء، انا مصري يؤمن تماما بما اقشعر له بدني لسنوات في طابور الصباح حين انطلق من صدري دعاء لا غناء:
عاشت بلادنا
عاشت حرة لاولادنا
واولاد ولاد ولادنا ولآخر الزمان.