عادلون؟ طغاة، ثائرون، مؤامرات، حرية وحياة، وأشياء أخرى.

كتب- محمد خلف
الحياة أم الحرية؟
العدالة أم القضية؟
هل تبرر الغاية الوسيلة؟؟
هل يحق للثائر التخلي عن انسانيته لنصرة القضية؟
ما الذي يجعل الث
هل يمكن ان يحمل الثائر الذي فقد كل شيء لأجل قضية شعبه بين أضلاعه قلب طاغية؟
اسئلة طرحها عرض فرقة بورسعيد الاقليمية (عادلون؟) الذي أخرجه أحمد يسري من إعداد المخرج خالد توفيق ومحمد رزق الذي شارك بالتمثيل في العرض عن نص للأديب والمفكر البير كامو، أسئلة أضاف إليها المخرج تساؤلا إضافيا في عنوان عرضه، هل هؤلاء الثوار الذين اجتمعوا على قضية الوطن الخاضع لطاغية يتآمرون على حياته عادلون أم غير ذلك؟
استغرق العرض ما يقرب من الساعتين من الحوار الدائر بين شخصيات العمل في صراع داخلي بين أعضاء إحدى خلايا منظمة سرية تعتمد الجهاد المسلح وسيلة لمقاومة ظلم طاغية يحكم قبضته على وطنهم فيضعون خطة لاغتياله عبر القاء قنبلتين على سيارته أثناء ذهابه المسرح، ثم تراجع أحد اعضاء الخلية (يانك) عن التنفيذ لعدم قدرته على الإقدام على قتل طفلين وامرأة ليحتدم الحوار بينه وعضو آخر (استيبان) يؤمن بأن القضية تعلو على كل شيء معللا منطقه بأن أرواح هؤلاء كانت ستنقذ آلاف من الاطفال والنساء الذين يموتون من الجوع جراء سياسات ذاك الحاكم، ثم تتطور الاحداث ليحاول يانك من جديد اغتيال الحاكم وينجح في ذلك ثم يلقى القبض عليه ويلقى في السجن لتبدأ مرحلة جديدة من العرض ينتقل الصراع فيها مما بين اعضاء الخلية وبعضهم ليتحول لصراع بقاء بينهم وقائد الشرطة الذي يخدع يانك للاعتراف بأسمائهم حتى يلقي القبض عليهم ويسجنون جميعا مختتمين العرض بأغنيتهم ” قم يا رفيق.. واحمل بكفيك السلاح…”
يقف العرض على ركيزتين أساسيتين الاولى بينهما هي النص الذي كتب بلغة ذات بناء سليم وعبارات جذابة وإن عابه الاسهاب والتطويل في العديد من المناطق التي كان من الممكن بسهولة تكثيفها ليتخفف العرض من الكثير من الحمل الزائد عن طاقته مما جعل بعض المشاهدين ينظرون الى ساعاتهم والبعض للانشغال بهواتفهم المحمولة رغم الأداءات المتميزة من طاقم التمثيل.
وهو ما ينقلنا للركيزة الثانية للعمل حيث برز محمد رزق في اداء متلون متنوع رغم ظهوره المتأخر والقصير الا انه ميز نفسه بالتلاعب بطبقات الصوت واسلوب الحديث ولغة الجسد ليبدو في بعض الأحيان رفيقا مراعيا وفي غيرها جلفا فظا وفي أخرى قاسيا صارم، وهو التنوع الذي افتقده زملاءه رغم اداءهم لشخصياتهم بحرفية جعلت كل منهم يمسك بخيوط الشخصية ويظل متمسكا بها للنهاية، ولكن عابهم الشكل الاحادي للأداء في كل المواقف مما جعلها شخصيات أحادية البعد وهو ما يتنافى مع الأفكار الفلسفية التي يحملها كل منهم.
برز أيضا ابراهيم هيكل في دور اليكس الذي ذكر في ثلاث مناطق من الحوار كونه المخطط والعقل المدبر لعمليات المجموعة، ولكن أداء ابراهيم المبدع له كشخص بسيط العقل اقرب ما يكون للبلاهة (وقد أدى هذه الشخصية ببراعة حقا) يتنافى مع دوره كمخطط ومفكر او كعضو في منظمة سرية لا تحتمل وجود عناصر بشرية يمكن التلاعب بها او يمكن لها اصدار تصرفات تودي بهم، وهو ما لم تقم به الشخصية على مدار الاحداث الا في النهاية التي تصرف فيها بحمق رغم اتساقه مع دوره كمخطط رسم خطة للايقاع بقوات الشرطة بتفخيخ الاسطبل والهرب.
اما مصطفى ناصر فقد أدى شخصية استيبان المحارب الذي أحرق ماضيه مشاعره فتحجر قلبه بوهب حياته وجسده للقضية حيث يظهر فاقدا لإحدى عينيه يتألم من إثر الجلد مضمد الذراع، وهو ما يؤكد تعرضه القريب زمنيا من النقطة الزمنية للحدث.
وجاء أداء شخصية يانك من احمد سعد مناسبا لدوره كشخصية عاشقة للجميلة دورا صانعة القنابل، فظهر يانك كشخصية محبة للدنيا اتجهت للمقاومة والقتال لأجل منح الحياة للآخرين فمنعته مبادئه الإنسانية من قتل الأطفال كما دفعه ايهامه بقتلهم للانهيار مفصحا عن أسماء زملاءه خلال نوبة هيستيرية ألمت به نتيحة لتلاعب قائد الشرطة.
اما شخصية بوريا الذي قام بدوره مصطفى العوضي فقد عبر عن شخصيته التي يغلبها الصراع بين واجباته كقائد للخلية ومشاعره كانسان وصديق حتى يتغلب الانسان والصديق داخله على المناضل في النهاية ويقرر خوض قتال أخير لا يمنحون الفرصة له حي تفاحئهم قوات الشرطة بالإغارة على الاسطبل والقبض عليهم جميعا.
ونرى ايضا ليلى عبد القادر في ثوب دورا الجميلة العاشقة ليانك البطل المثالي، صانعة القنابل الماهرة التي تمسك بزمام الامور حين تفلت من الجميع ويعهد اليها بوريا في النهاية بتفخيخ المكان تنفيذا لخطة اليكس بعد أن قررت البقاء والموت في موقعها مقاتلة لقوات الشرطة بدلا من الهرب كالجبناء ليتبعها الجميع.
قدم أحمد يسري عرضه بشكل كلاسيكي وديكور واقعي التهم مساحة المكان الضيقة مما خلق مشكلة في الحركة على المسرح ليضطر الممثلون -على الرغم من اجادتهم- للتغطية على الزملاءفي العمق حيث جعل الديكور الذي مثل الاسطبل بابوابه وقشه ونوافذه المحطمة المسرح اشبه بالقمع يتحرك الجميع داخله، ولم تتضح الفائدة من هذا الشكل الا عند الانتقال للسجن حيث شكلت (البانوهات) الداخلية صورة مغايرة يفترض ان تكون لداخل السجن مع الابقاء على واجهة المسرح بشكل الاسطبل ثابتا.
كما صاحبت الموسيقى احداث العرض منذ البداية باستثناء مناطق قليلة بشكل طغى في بعض الاوقات على صوت الممثلين، لكني أحببت اختياره لموسيقى أغنية أمطار كاستامير من مسلسل لعبة العروش.
في النهاية شاهدت مساء الأمس عرضا جيدا كان من الممكن أن يكون أفضل كثيرا، اتمنى التوفيق لفريق عمله.