مقالات

في محبة زعيم جمهورية الفن

Advertisements

بقلم د.  شوكت المصري

كلما شاهدت فيلما لعادل إمام أدهشتني عبقرية التراكم والدأب التي قدمها في رحلته الفنية الطويلة.. وأدهشني بالمقابل عدم وفائنا لما قدمه بما يستحق.

يقيني أن الأجيال تلو الأجيال لن تتوقف عن الحديث عن هذا المشروع الفني الكبير الذي ولد صاحبه على أرض مصر عام 1940 وبدأ كومضة عابرة حملتها الصدفة والأقدار عام 1966 لتتقد شعلةً متوهجة أضاءت لأكثر من ستة عقود ويزيد.. متربعا على عرش الكوميديا العربية والسينما والتلفزيون بأكثر من 100 فيلم و 11 مسرحية و 16 مسلسل تلفزيوني وواحد إذاعي.

بهذه الملامح المصرية الطبيعية.. بلا أعين ملونة.. وبلون قمحي.. وتسريحة شعر مسحوبة للأعلى لتغطية ما انحسر.. وقامة متوسطة غير مفتولة.. بل وأحيانا ما تبدو غير متناسقة كما الملايين الذين يمشون في الشوارع.. أصبح عادل إمام بعد عقدين من رحلته الفنية نجم الملايين الذين يشبههم ويشبهونه.. وأصبح عام 2000 سفيرا لمفوضية حقوق الإنسان وغوث اللاجئين.

عادة ما تشدني أفلام بعينها للزعيم ولا أتحدث هنا عن طيور الظلام والإرهاب والكباب ولا حتى الإرهابي وهي علامات كبرى في مسيرته وفي السينما المصرية والعربية عموما.. لكنني أتحدث عن الحريف وحب في الزنزانة والهلفوت وحتى لا يطير الدخان والمشبوه والغول والمنسي.. وهي أفلام تظهر فيها قدراته التراجيدية وملامح الحزن ومساحات الشجن على الوجه والروح.. وكأنما البداية لم تكن مصادفة أبدًا حين دفعه صديقه صلاح السعدني وهما بالفرقة الثانية بكلية الزراعة إلى ملء استمارة في مشروع مسارح التلفزيون فقدم عادل أول أدواره في قالب تراجيدي بالفصحى بمشهد في رواية ثورة الموت من تأليف الألماني إيرون تشوف.

ينسحب الكثيرون حين يتحدثون عن عادل إمام إلى مساحات من الاختلاف الفكري “الأخلاقي” أو “الديني” أو “السياسي” ويحاول كل فصيل التنظير لوجهة نظره محاولا الانتقاص من قيمة الفنان الكبير في جانب بعينه أو حتى فيها مجتمعة.. ربما لأنه من قوة وفرادة ما قدمه بدأ الكثيرون في التعامل معه بوصفه فيلسوفا أو مفكرا كبيرا.. وأظنه في المقابل لم يكن يرى في نفسه سوى هذا المشخصاتي الذي يلعب دور المحامي الساخر حسن سبانخ في “الأفوكاتو” كما يلعب دور أستاذ الجامعة القاتل في “انتخبوا الدكتور سليمان”.. كان يرى مهمته وقيمته فيما يقدمه من أداء تمثيلي متنوع ومختلف يكبر يوما بعد يوم منتقلا من مرحلة الهواية إلى الاحتراف إلى النجومية إلى الانفراد وحيدا على قمة عالية.

ولعلني أتجاوز معه ومع محبيه وجمهوره من المحيط إلى الخليج كل آراء منتقديه لأنهم جميعا لن يختلفوا أبدا على “الفني” الذي قدمه عادل إمام بشرط تحكيمهم للمعايير الفنية.. كما أظنهم ينسون كل اختلافاتهم معه وهو يخطف ضحكاتهم رغما عنهم في مشهد من “مدرسة المشاغبين” أو “شاهد ما شافش حاجة” أو “الزعيم”.. لأنه بالفعل الزعيم الذي تجاوز كل المعايير الفنية وأعاد صياغة مفرداتها رافعا سماواتها وموسِّعًا حدودها متربعا على العرش وبجدارة كعلامة من علامات الفن المعدودة في القرن العشرين والحادي والعشرين دون منازعين كُثر.

تحلو للكثيرين فكرة المقارنة بين الفنانين أو الشعراء أو الروائيين أو المبدعين عموما.. وأجد الفكرة مفسدة للفرح والمتعة والجمال التي يحققها الفن والإبداع.. ويقيني أن المبدعين الكبار لا تجب مقارنتهم إلا بأنفسهم.. والاستمتاع بتجاربهم ومشروعاتهم وقراءة رحلتهم خطوة خطوة بكل تفاصيلها الباهتة منها قبل الدامغة القوية.. فبهذا وحده يدوم أثر الجمال ويتسع.

ليس غريبا إن قلت لكم في النهاية إنني أعتبر مقولة الشيخ كشك التي يعتبرها البعض مفارقة مضحكة: “دعونا الله بإمام عادل فطلع لنا عادل إمام”.. أعتبرها جميلة ومعبّرة ووافية.. فعلا يا شيخ عبد الحميد لقد أجاب الله دعوتنا فأسعدنا وجبر خواطرنا بعادل إمام.

العمر الطويل يا زعيم #عادل_إمام ❤️

Advertisements

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى